قال ماركوس شيشرون مقولته الشهيرة: “من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلًا صغيرًا.” عند التدبر في هذه المقولة, يدرك الشخص أهمية التاريخ لحاضرنا ولمستقبلنا. في الوقت الحاضر, يبدو في معظم أنحاء العالم العربي أن التاريخ تم التلاعب به على يد مجموعة معينة لفرض أيدولوجيتها على الجماهير, بطريقة خطيرة, وسامة, والأهم من ذلك, مهلكة. هذا التلاعب بالحقائق التاريخية يذكرني بطريقة سقوط الأندلس, سواء من المعلمين, أو الأشخاص الذين لا ينتمون إلى مدارس. إن الحقيقة مشابهة لما نشهده اليوم.
أثناء نشأتنا كعرب, وأنا متأكد أن الكثيرين سيتذكرون, أخبرونا أن الأندلس انهارت لأن الأندلسيين “نسوا الإسلام,” وأن “الكفار دمروها, لأن الأندلس كانت دولة مسلمة.” لم يذكر أحد الدولة المرابطية (المرابطون), التي تبنت آراء مشابهة لـ (إن لم تكن متطابقة مع) ما نسميهم اليوم مسلمين متطرفين. بغض المرابطون الدول المدينة الأكثر تقدمًا ورقيًا في الأندلس, مثل قرطبة, وغرناطة, وغيرها من المدن, لإنهم اعتبروها مُترفة وغير إسلامية. مثل أي جماعة متطرفة موجودة اليوم, انتهز المرابطون الفرصة لتخريب مناطق كثيرة من الأندلس, مثل حرق المكتبات, وتدمير الآثار الرائعة, في محاولة لمحو ما يقدرون عليه من التراث الأندلسي الأكثر تحضرًا. المفارقة هي, مثلما هو الحال مع هذه الجماعات, إنه بمجرد سيطرة المرابطين على بعض مناطق الأندلس عاشوا في ترف, بدون تحقيق أي تقدم في الأندلس. يعود الفضل في الآثار التي نراها اليوم في إسبانيا إلى إيزابيلا وفرديناند “الكافرين,” اللذين اعتبرا الآثار جزءًا من تراث مملكتهما الجديدة. من الجدير بالذكر إنه بعد 900 عام تقريبًا, لا تزال عقلية المرابطين قائمة, ومع الأسف, تتم تغذيتها.
دولة الموحدين, على عكس المرابطين, إهتمت كثيرًا بالعلوم, والعلوم الإنسانية, والثقافة والفنون. هذا الإهتمام والاستثمار في تلك المجالات أثمر عن شخصيات مثل ابن رشد, ومسلمة, وأبو القاسم من ضمن آخرين, والذين أسهموا في الكثير من التقدمات العلمية الموجودة اليوم. بينما ركز الموحدون على تنمية الإنسان, وكما قال ابن خلدون, “حالما يُشبع البشر رغباتهم الحيوانية, والجوع, والعطش … يصبح لديهم الدافع لإشباع رغباتهم العقلية من خلال المعرفة…”, كان المرابطين منشغلون باستخدام الدعاية ضدهم, مستخدمين الدين كدافع لتدميرهم. هذا التضارب في الأيدولوجيات لم يكن مقتصرًا على الأندلس وحدها, وإنما كان منتشرًا أيضًا بين علماء مشهورين خارج الأندلس. بينما شدد ابن رشد على أهمية العلوم والفلسفة, اعتبر الغزالي, الذي كان يعيش في فارس في ذلك الوقت, اعتبر الرياضيات والعلوم النقيض الكلي للدين, ولغة الشيطان. من كل هذا, نستطيع عقد مقارنات مع وقتنا الحاضر.
اليوم, وبسبب هذا التلاعب التاريخي, يلجأ الكثيرون إلى أشباه العلماء أمثال يوسف القرضاوي الذين يملكون تأثيرًا على الكثيرين, وخاصة الشباب, واعدين إياهم بالفردوس الأبدي عند إتباعهم. القرضاوي هو نفس الشخص الذي أجاز التفجير الانتحاري. والأهم من هذا, إنه الزعيم الروحي للإخوان المسلمين, والكثير غيرهم ممن يطبقون أفكارهم حتى لو لم يكونوا يلتزمون بالعقيدة الفلسفية للإخوان المسلمين. بالنسبة إلى أولئك الأشخاص, كلمته لا تقبل الجدل, لا ينقصهم إلا أن يمنحوه مكانة الإله, ولهذا السبب أي شخص ينتقد القرضاوي يعتبره أتباعه مدنس, وهذا الإتهام بالنسبة لأتباعه يمنح مبررًا للقتل. لقد حدث هذا معي عدة مرات على وسائل التواصل الاجتماعي. في حين إنه مثال واحد فقط على أمثاله الكثر الذين ينشرون الكراهية ويحرضون على العنف, إلا إنه أبرزهم حتى الآن. في الماضي, كان لدى هؤلاء الأشخاص مساجد وكتب لنشر فكرهم الوضيع, إلا إنه اليوم توجد وسيلتان أكثر قوة وانتشارًا لنشر الفكر: الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي.
القرضاوي, والكثير من أمثاله, يمتلكون منصة قوية لضمان أن تصل أفكارهم إلى الجماهير, مغلفة بطابع ديني, حسب مصطلحاتهم. سمحت قناة الجزيرة العربية, التي تمتلكها وتمولها حكومة قطر, لهذه الجماعات بإذاعة بعض أحقر الخطابات منذ بدايتها من 20 عامًا تقريبًا. لقد غرسوا بطريقة منهجية, ومتعمدة, الفكر المتطرف والطائفي في عقول مشاهدي الجزيرة, بوعد الحصول على الفردوس الأبدي, الذي كانوا يبررون به الشهادة والانتحار. بصورة عملية, شنوا حربًا على الفكر العقلاني, والعلوم, والتعليم, وأي وسيلة قد تمنح البشر الأدوات اللازمة لبناء مستقبل أفضل. من المسموح فقط إتباع تلاميذهم بإجازة دينية منهم. هذه الأمثلة, ويوجد منها الكثير تكفي لكتابة موسوعة, كافية لكي نتخذ إجراءً.
إنها ليست مصادفة أن المشروع الطموح الوحيد في العالم العربي اليوم, وربما منذ بناء الأهرامات, يُسمى “مسبار الأمل لاستكشاف المريخ.” الأمل, لأن القيادة في الإمارات ترى أن هذا البرنامج يحقق مستقبلًا أفضل أكثر إشراقًا وأملًا للمنطقة بأسرها, مستقبلًا يرفض ويواجه هذه الأيدولوجيات الطائفية التي تدعو للكراهية التي سمحت بها الجزيرة, وغيرها من الوسائل, وشجعتها. في حين أن الغزالي كان سينحاز على الأرجح للقرضاوي, برنامج الفضاء الإماراتي كان سيدعمه ابن خلدون, الذي كان مناصرًا للتفكير العقلاني. “قد يمتلك الإنسان القمح, لكنه سيحتاج للطحن, والطحن سيحتاج لأدوات والتي تحتاج للتصنيع, والتصنيع سيحتاج للتعاون.” إن الوصول إلى المريخ هو الجزء السهل, مثلما فعل الآخرون, إلا إنه للاستفادة من الآثار غير المباشرة لبرنامج الفضاء, سوف نحتاج للتعليم (تحديدًا العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات), وهذا سيحتاج لعقول لم يستهلكها العنف والكراهية, وهذا يجلبنا إلى الأحداث الحالية.
مؤخرًا, عندما قررت أربع دول عربية مقاطعة قطر, كان هذا بدافع الضرورة لمنع السماح ببث هذا الخطاب بحرية, والذي بدوره تسبب لنا جميعًا بالأذى, وسيواصل ذلك. إن غضب تلك الدول من الجزيرة يعود إلى وقت طويل, وقُدمت اعتراضات كثيرةلحكومة قطر, لكن دون جدوى. في ظل السماح لهذه الكراهية بالوصول إلى ملايين المشاهدين, والأخطر من هذا, منحهم السلطة الدينية لارتكاب فظائع مروعة, في حق المسلمين وغيرهم, سوف يصبح الأمل حلمًا بعيدًا.من أجل إبقاء الأمل حيًا, مع كل المنافع التي يمكن للبشر جميعًا الاستفادة منها, يجب رفض الجماعات مثل الإخوان المسلمين, ومنصاتها, وإقصائها نهائيًا. في حين إننا نعيش في القرن الحادي والعشرين, إلا أن التاريخ يعيد نفسه دائمًا, وسيظل يعيد نفسه. دعونا لا ننسى ما فعله المرابطون بكنوز المعرفة التي تم تجميعها على مدار 8 قرون في الأندلس, عندما أمر الحاكم, تاشفين بن علي, بحرق هذه الكنوز أينما وجدت. من أجل هزيمة هذه الأيدولوجيات, يجب علينا قطع سُبل التواصل بحرية كخطوة أولى
في سبتمبر 2012, اندلعت أعمال شغب عند السفارات الأمريكية في عدد من المدن في المنطقة. في ليبيا, أسفرت أعمال الشغب عن مقتل السفير الأمريكي. توضح الصورة الفرق الشاسع في اللهجة بين الإعلام العربي والإنجليزي لجماعة الإخوان المسلمين, والمنصات التابعة لهم, ومن ضمنها الجزيرة.
ترجمة: آية سيد
You must be logged in to post a comment.